ومن سورة مريم
  والمراد بذلك: أنه تعالى خلقه على صفة الخضوع والخشوع واللين وخفض الجناح، وقد يكون ذلك بأمور ترجع إلى ما يخلق اللّه عليه العبد وقلبه(١)، فلا يتعلق بما ذكروه.
  ٤٥٢ - دلالة: وقوله تعالى: {ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}[٣٥] يدل على نفى الظلم عنه؛ لأن اتخاذ الولد لا يجوز أن يحمل على أمر محال غير معلوم، فلو أريد به الولادة في الحقيقة لم يصح؛ لأنه لما هو عليه في ذاته يستحيل ذلك فيه، فيجب أن يحمل على أمر يتعلق بالفعل، وهو أنه ما كان له أن يصف نفسه بذلك، أو يفعل ما يوهمه كما يدعيه النصارى.
  فإذا ثبت أنه ليس له ذلك، لقبحه، فكذلك القول في سائر القبائح.
  ويبطل ذلك أيضا ما يقوله القوم من أن للّه تعالى أن يفعل كل شيء، لأنه مالك، وإلى ما شاكل ذلك من عللهم، ويبين أن الصحيح أن يقال: ليس للّه أن يفعل الظلم والجور. تعالى اللّه عن ذلك.
  ٤٥٣ - وقوله تعالى من بعد: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[٥٩] يدل على أن الصلاة من قبلهم؛ لأنها لو كانت بخلق اللّه فيهم لم يصح أن يكونوا المضيعين لها، كما لا يصح أن يوصف الإنسان بأنه أضاع لونه وهيئته. واتباع الشهوات لا يصح لو كان تعالى يضطر إليه، وإنما يصح ذلك متى اختار الفعل للدواعى والشهوة.
  وهذا ظاهر.
  ٤٥٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه قادر على أفعال
(١) في النسختين: وقبله.