ومن سورة مريم
  العباد، فقال: {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ ...}[٦٥] والربّ هو المالك القادر، والمعاصي(١) داخل فيما بينهما، فيجب أن تدل هذه الآية على قولنا!
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يتناول إلا الأجسام لأنه قال:
  {فَاعْبُدْهُ}(٢) فبين أن خلقه لما تقدم ذكره هو الموجب لعبادته، وليس لأفعال العباد مدخل في ذلك، ولا يجوز أن يراد به إلا النعم التي بها يستوجب - تعالى - العبادة، ولذلك قال بعده: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} يعنى: مثلا ونظيرا في هذا الأمر الذي به يستحق العبادة، مبينا بذلك أن الواجب إخلاص العبادة له فقط، دون غيره.
  وقد بينا من قبل أنا لو قلنا: إنه تعالى مالك لأفعال العباد، من حيث يقدر على تمكينهم منها ومنعهم منها لصح، ولجرى ذلك على طريق الحقيقة، لأن المراد بالملك في المملوك على ما ذكرناه، قد يختلف.
  ٤٥٥ - مسألة: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه يورد المؤمن النار يوم القيامة، ثم ينجيه منها، وعلى أن له أن يفعل بكل عباده ما يريد، فقال:
  {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا}[٧١].
  والجواب عن ذلك: أن الورود لا يوجب الوقوع في الشيء، وإنما يقتضى الدنو والمقاربة - وعلى هذا الوجه يحمل قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}(٣) لأن المتعالم في ذلك «أنه لم يخض الماء(٤)
(١) د: العاصي.
(٢) تتمة الآية السابقة ٦٥ {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.
(٣) من الآية ٢٣ من سورة القصص.
(٤) في د: أنه يخص.