ومن سورة طه
  فإن قيل: فإذا لم يصح أن يلقيهم سجّدا إلا اللّه، دون سائر الناس، وجب حمله على ما قلناه.
  قيل له: لم صرتم بأن تحملوه على هذا، عند امتناع الظاهر، أولى من أن يحمل على أنهم سجدوا وألقوا أنفسهم سجّدا، لأن في كل واحد من الأمرين خروجا عن الظاهر، وإنما قال تعالى ذلك، وإن بعد أن يستعمل فيما يكتسب الإنسان مثله؛ لأن الذي له سجدوا هو أمرهم به، فصاروا كالمدفوعين عنده إلى ذلك، لعظم ما عاينوه من ابتلاع العصا المنقلبة حية للحبال والعصىّ التي ألقوها مع عظمها، فاستعمل فيه من العبارة ما استعمل مثله فيمن يفعل فيه الفعل.
  ٤٦٤ - وأما قوله تعالى من بعد: {قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ}(١) فقد بينا أن الفتنة لا ظاهر لها في الكفر والمعصية، وأن الواجب أن يحمل على أن المراد به تشديد التكليف والمحنة، وقد ذكرنا ذلك من قبل(٢).
  ٤٦٥ - فأما قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} فمن أقوى ما يدل على أنه تعالى لا يضلّ، لأنه لو كان قد أضلّ من عبد العجل بأن خلق فيهم الضلال، لم يكن لدعاء السامرىّ تأثير، وكان وجوده كعدمه، وقد بينا القول في نظائر ذلك أيضا(٣).
  ٤٦٦ - وأما قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[١٠٩] يدل على قولنا في الشفاعة «وأنها لا تكون لأعداء اللّه، لأنه تعالى بين أنها لا تنفع إلا من يختص بهذين الشرطين: أحدهما أن يكون
(١) الآية: ٨٥ وتتمتها؛ {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}.
(٢) انظر الفقرة ٢١٢.
(٣) انظر الفقرة ٣٩٩.