ومن سورة الأنبياء
  وبعد، فإنه لا خلاف بيننا وبينهم في أنه تعالى لا يسأل عما يفعل، لكنا نقول: إن الذي يفعله هو الأمور الحسنة، وهم يقولون: إنه يفعل مع(١) ذلك القبائح. والخلاف في ما الذي يدخل في أفعاله ولا يعلم صحيحه من سقيمه، فمن حيث ثبت أنه لا يسأل عما يفعل، لأن إحدى المسألتين غير الأخرى، ولهذا صح الوفاق في أحدهما مع الخلاف في الأخرى.
  وبعد، فإن الخلاف بيننا وبينهم في العلة التي لها [لا] يسأل عما يفعل وفي حكمها، فنقول: إن كان(٢) الأمر كما تقولون من أنه يفعل كل قبيح، فينبغي أن يسأل عما يفعل، وإنما يسلم ذلك متى نزه عن القبيح. ويقول القوم: إنما لا يسأل عما يفعل لأنه مالك، إلى غير ذلك من عللهم، وهذا الخلاف لا تعرف صحة الصحيح منه من ثبوت القول بأنه لا يسأل عما يفعل!
  وقد استدل شيوخنا، رحمهم اللّه، بهذه الآية على ما نقول؛ لأنه تعالى إنما وصف نفسه بذلك من حيث كان لا يفعل إلا الحكمة والعدل، ومن لا يكون فعله إلا بهذه الصفة لم يجز أن يسأل «عن فعله، لأن المحسن منا إذا ظهر فيما يفعله وانكشف أنه إحسان لم يجز أن يسأل(٣) فيقال له: لم فعلت؟ وإنما يسأل عن ذلك الظالم والمسئ والفاعل للقبيح، فلو لا أنه تعالى منزه عن القبائح لم يصح أن يوصف بذلك.
  وبعد، فإنه تعالى قال: {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} فلا يخلو من أن يريد به: أنهم يسألون عما يفعله، أو عن فعلهم، وقد علمنا فساد الوجه الأول، فليس إلا أنهم يسألون عن فعلهم، وهذا يوجب في فعلهم أنه ليس بفعل له، وإلا لم يصح أن يقع السؤال عنه لأجل قوله: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}. ولوجب دخوله تحت هذا
(١) ساقطة من د.
(٢) ساقطة من د.
(٣) ساقط من د.