ومن سورة الحج
  يقتضيه الظاهر، وهو الصحيح. وكذلك قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ} يعنى: خلقناها وبينا وعرّفنا وأشعرناكم العبادة التي عليكم فيها، فخلقها من قبله، وهو الذي جعلها من الشعائر بالبيان والإظهار، وإن كان النحو من فعلنا، فلا تعلق للقوم في ذلك.
  ٤٨٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه يفعل في العباد محاربة الغير ومدافعته فقال: {وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}(١).
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر قول القائل: إن فلانا دفع فلانا بفلان لا يقتضى أن ذلك الفعل وذلك الدفع من قبله، وإنما يقتضى أن له فيه مدخلا؛ إما بالأمر والتزيين، وإما بالإلجاء.
  فلما كان تعالى دفع عادية الكفار وأذيتهم بالمؤمنين، من حيث قمعوهم وأذلوهم ومنعوهم من الإقدام على إذلال الإسلام، جاز أن يقول تعالى هذا القول مبينا بذلك أنه لولا تعبده لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد.
  ٤٨٨ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه لا رسول إلا والشيطان يتسلط(٢)، فقال: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٥٢ لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(٣).
  فبين أنه تعالى يجعل ما يلقى الشيطان «فتنة وفسادا(٤): ولولا أنه من قبله لما صح ذلك.
(١) من الآية: ٤٠.
(٢) د: يسلطه. والمعنى: يتسلط عليه.
(٣) الآية: ٥٢ ومن الآية: ٥٣.
(٤) ف: فتنة للذين في قلوبهم مرض وفساد.