ومن سورة الحج
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يقتضى إلا أن الشيطان يلقى أمرا، وأن ذلك الأمر يزال ويرفع، ولا يدل على أنه تعالى يفعل ذلك، أو على أن ما يفعله الشيطان يؤثر في الرسول، ولا ينافي ذلك ما ذكره تعالى من أنه لا سلطان له على المؤمنين، وذلك أنهم إذا لم يقبلوا وعدلوا عن ذلك زال سلطانه، وإن كان قد يلقى إليهم ما ذكره تعالى.
  وأما قوله: {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً} فظاهره أنه تعالى يجعله تشديدا في المحنة، وهذا مما لا نمنع منه، وقد بينا أن الفتنة تنصرف على وجوه(١)، وأن(٢) ظاهرها - في التعارف - ينطلق على تشديد المحنة، وهو الذي أراد بقوله:
  {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}(٣) وبقوله: {ألم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}(٤) وكل ذلك يمنع من تعلقهم بهذا الظاهر.
  والمراد «بالآية عند أبي على، |، أنه ما من رسول إلا إذا قرأ كتاب اللّه تعالى ووحيه ألقى الشيطان بوسوسة(٥) ما يشغله عن الاستمرار، فربما لحقه سهو في القراءة وغلط يجوز عليه، فينسخ اللّه ذلك، لئلا يقدر أنه من القرآن، ويحكم آياته، لكي يعلم أنه لا يلتبس بغيره، ويبين أن التمني ينطلق على القراءة بيت حسان(٦):
(١) انظر الفقرة: ٢١٢.
(٢) د: ولو أن.
(٣) من - الآية: ١٥٥ من سورة الأعراف.
(٤) سورة العنكبوت، الآيتان: ١ - ٢.
(٥) ساقط من ف.
(٦) هو أبو الوليد حسان بن ثابت الخزرجي الأنصاري، شاعر النبي ﷺ وأحد المخضرمين الذين عمروا، أدرك في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام مثلها، قال فيه عمرو بن العلاء: إنه أشعر أهل الحضر! وقال فيه ابن سلام: وهو كثير الشعر، جيده، وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد (نسب إليه وليس له)، وقد روى عن النبي أحاديث كثيرة. تهذيب التهذيب: ٢/ ٢٤٧. طبقات فحول الشعراء: ١٧٩، الأعلام:
٢/ ١٨٨ - ١٨٩.