متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الحج

صفحة 512 - الجزء 2

  تمنى كتاب اللّه أول ليله ... وآخره⁣(⁣١) لاقى حمام المقادر

  ويبين فساد ما ذكره بعضهم من أنه صلّى اللّه عليه غلط في القرآن حتى أدخل فيه: تلك الغرانيق العلا، شفاعتهم ترتجى، وأن المشركين بمكة لما سمعوا ذلك سجدوا شكرا وفرحا، وظنوا أن الرسول صلّى اللّه عليه، قد عظم آلهتهم⁣(⁣٢)، بأن يقال: إن مثل ذلك لا يجوز أن يقع من الأنبياء على سبيل


(١) في د: وآخرها. وفي تاج العروس: وتمنى الكتاب: قرأه وتلاه، قال الأزهري:

والتلاوة سميت أمنية لأن تالي القرآن إذا مر بآية رحمة تمناها، وإذا مر بآية عذاب تمنى أن يوفاه، وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ} قالوا: إلا تلاوة: ١/ ٣٤٩، وقال الفراء: التمني التلاوة. فتح الباري: ٨/ ٣٥٤، وبيت حسان في رثاء عثمان ¥.

انظر الزبيدي: المصدر السابق. الرازي: التفسير الكبير: ٦/ ١٦٦.

(٢) أخرج البخاري من حديث ابن عباس ®، في تفسير قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} من سورة النجم، قال: «سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس» وليس في هذه الرواية ذكر لمسألة الغرانيق، وأن النبي قد جرى على لسانه ذكر آلهتهم بخير، وإن كانت هذه المسألة قد رويت من عدة طرق ذكر الطبري أكثرها، وكلها - كما ذكر ابن حجر - إما ضعيف وإما منقطع، خلا رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقد حملت كثرة الطرق ابن حجر على القول «بأن للقصة أصلا» لأن من طرقها - كذلك - طريقين مرسلين - ذكرهما - رجالهما على شرط الصحيح، واختار لها من وجوه التأويل: ان رسول اللّه كان يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات، ونطق بتلك الكلمة - تلك الغرانيق العلى ... - محاكيا نغمته، بحيث سمعها من دنا فظنها من قوله وأشاعها، يؤيد ذلك تفسير التمني بالتلاوة فصار معنى قوله تعالى: {فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي في تلاوته، قال ابن حجر: «فأخبر تعالى أن سنته في رسله إذا قالوا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه» وقال: «فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي لا أن النبي قاله». وقد ذهب آخرون إلى أن القصة مختلقة من الأساس، وحكموا ببطلان ما روى في ذلك، وشدد بعضهم النكير على رواتها، كما فعل أبو بكر بن العربي والقاضي عياض، ولعل أحسن ما كتب في رد هذه القصة وإبطالها بدليل الكتاب والسنة والمعقول ما كتبه الإمام الرازي | في تفسيره.

انظر: الطبري: ١٧/ ١٨٦ - ١٩٠.

الرازي: وبهامشه أبو السعود، ٦/ ١٦٥ - ١٦٦.

فتح الباري ٨/ ٣٥٤ - ٣٥٥.