ومن سورة الحج
  الغلط أيضا، لما فيه من التنفير، كما لا يجوز أن يقع منهم، على جهة السهو، العبادة لغير اللّه، وإن جاز السهو عليهم في الأفعال، وبين أن المتعالم من قارئ القرآن أنه لا يجوز أن يغلط فيه بمثل هذا، وإنما يغلط بما هو متشابه في القرآن، كما لا يجوز أن يغلط فيدخل في القرآن شعر امرئ القيس، ومتى علم ذلك من حال بعض القراء عد زائل العقل، فكيف يجوز مثل ذلك على الرسول صلى اللّه عليه! وكيف يجوز، والمعلوم من حاله بمكة أنه كان يستسر بالصلاة خوفا، فكيف اتفق ذلك منه في ملأ منهم، وقد صح أن المشركين كانوا مضطرين إلى قصده في الدعاء إلى عبادة اللّه والاستخفاف بمعبودهم، فكيف ظنوا هذا الغلط الواقع حتى سجدوا شكرا، وكيف زال عن قلوبهم العداوة الشديدة لهذا الأمر اليسير، حتى أقدموا على هذا الصنع. وكل ذلك يبين جهل القوم.
  «وأما قوله(١): {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً} فالمراد بذلك أنه - عند ذلك - شدد المحنة والتكليف على الكفار، فيلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه اللّه وبين ما يلقيه الشيطان، وأنه تعالى يزيل ذلك، لئلا يقع به فساد، وينسخه، ويحكم آياته بأن يجعلها على وجه لا يلتبس بها غيرها. وهذا بين.
  ٤٨٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه المسخر للبهائم والفاعل لتصرفها، والمجرى للفلك، على كل حال، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}[٦٥].
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر التسخير لا يقتضى الاضطرار، وإنما يقتضى أنه قصد تعالى بها نفع المكلف وأعدها لذلك، وقد بينا القول في ذلك، وأن
(١) في النسختين: ويبين أن قوله.