ومن سورة المؤمنين
  ويدل أيضا على أن المؤمن لا يفلح ولا يفوز بالظفر والثواب إلا بأن يختص بهذه الصفات. وفي ذلك دلالة على أن مرتكب الكبائر لا يستحق الجنة.
  ٤٩٣ - مسألة: قالوا ثم ذكر بعده ما يدل على أنه يخلى العبد والجهل، وأنه يفعل الأفعال لا لصلاح الخلق، فقال: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ٥٤ أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ٥٦}[٥٤ - ٥٦].
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر قوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} يقتضى الأمر بتخليتهم وما يختارون من الجهل والكفر، وهذا هو الواجب على الرسول #، لأنه لا يجوز أن يمنعهم عن ذلك قسرا، فنبه تعالى بهذا الكلام على التقريع والتوبيخ، للعقاب المنتظر الذي دل عليه بقوله: {حَتَّى حِينٍ} فزجر بذلك الكافر عن كفره! وإنما سمى ذلك غمرة لاستيلائه على القلب، ولأنه غمر سائر أفعاله وغلبه، فصار العقاب أولى به.
  وبين بقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ} أن الذي عجله لهم من اللذة لا يرفع عنهم من العقاب شيئا، لئلا يظن ظان فيقول: لو كانوا مستوجبين للعقاب، بما أقدموا عليه، لم يكن تعالى ليديم عليهم النعم بالأموال والأولاد وهذا بين.
  ٤٩٤ - وأما قوله تعالى، من بعد: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}(١) وقد ثبت أن الوسع دون الطاقة، من أقوى ما يدل على أنه تعالى لا يكلف العبد فعلا في وقت دون وقت إلا وهو قادر عليه، وذلك يبطل قولهم إنه تعالى كلف
(١) الآية ٦٢، وتتمتها {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.