متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النور

صفحة 523 - الجزء 2

  كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}⁣[١٧] فإنه يدل على أنه أراد منهم ترك العود إلى ما اقترفوه من الذنب.

  وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يوجب أنهم لا يصيرون كذلك إلا بترك المعاودة. وهذا يوجب أن من جملة الإيمان أفعال الجوارح.

  ٥٠٩ - وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}⁣[١٩] قد بينا أنه يدل على أمور: منها: أن الإنسان يؤاخذ بأفعال قلبه، لأن المحبة هي من أفعال القلوب.

  ومنها: أن محبة القبيح⁣(⁣١) لا تكون إلا قبيحة، وإلا لم يحسن ذمهم من حيث أحبّوا الفاحشة فقط. وإذا ثبت ذلك فيها وكانت هي الإرادة، فيجب أن تكون «إرادة القبيح⁣(⁣٢) قبيحة.

  ومنها: أنه قد يحصل في الإرادات الكبائر؛ لأنه تعالى بين في هذه المحبة أنه يتعلق الوعيد بها.

  ومنها: أن من أحب الفاحشة، فإيمانه لا يزيل عذاب الآخرة عنه؛ لأنه تعالى قال: {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ}⁣(⁣٣).

  ومنها: أنه يدل على أن ما يستحقه من العذاب قد يقدم إلى الدنيا، وأن الحدود فيها عقوبات، وليس كفارات، على ما يقوله بعضهم!

  ومنها: أنه يدل على أنه لا فرق بين أن يريد الإنسان المعصية من نفسه، أو من غيره، في تعلق الوعيد؛ لأنه تعالى سوى بين الأمرين.

  ومنها: أن انتشار الفاحشة في المؤمنين له من المزية ما ليس لغيرهم، فلذلك


(١) د: القلوب.

(٢) ساقط من د.

(٣) من تتمة الآية: ١٩.