ومن سورة النور
  كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[١٧] فإنه يدل على أنه أراد منهم ترك العود إلى ما اقترفوه من الذنب.
  وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يوجب أنهم لا يصيرون كذلك إلا بترك المعاودة. وهذا يوجب أن من جملة الإيمان أفعال الجوارح.
  ٥٠٩ - وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}[١٩] قد بينا أنه يدل على أمور: منها: أن الإنسان يؤاخذ بأفعال قلبه، لأن المحبة هي من أفعال القلوب.
  ومنها: أن محبة القبيح(١) لا تكون إلا قبيحة، وإلا لم يحسن ذمهم من حيث أحبّوا الفاحشة فقط. وإذا ثبت ذلك فيها وكانت هي الإرادة، فيجب أن تكون «إرادة القبيح(٢) قبيحة.
  ومنها: أنه قد يحصل في الإرادات الكبائر؛ لأنه تعالى بين في هذه المحبة أنه يتعلق الوعيد بها.
  ومنها: أن من أحب الفاحشة، فإيمانه لا يزيل عذاب الآخرة عنه؛ لأنه تعالى قال: {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ}(٣).
  ومنها: أنه يدل على أن ما يستحقه من العذاب قد يقدم إلى الدنيا، وأن الحدود فيها عقوبات، وليس كفارات، على ما يقوله بعضهم!
  ومنها: أنه يدل على أنه لا فرق بين أن يريد الإنسان المعصية من نفسه، أو من غيره، في تعلق الوعيد؛ لأنه تعالى سوى بين الأمرين.
  ومنها: أن انتشار الفاحشة في المؤمنين له من المزية ما ليس لغيرهم، فلذلك
(١) د: القلوب.
(٢) ساقط من د.
(٣) من تتمة الآية: ١٩.