ومن سورة النور
  جل وعز خصهم بالذكر، ولا يكون الأمر كذلك إلا والفاحشة إذا ظهرت من المؤمن لا يكون الحال فيها كالحال إذا كتمها، وهذا دلالة على أن المستحب أن يكتمها وأن لا يفضح نفسه، لأنه إذا رغب غيره(١) في ذلك فكذلك حاله.
  ومنها: أن المحب للمنكر ولظهوره في حكم المقدم عليه، في أنه بمنزلة إقدامه على المنكر، وأنه يجوز أن يؤاخذ كمؤاخذة من أقدم على ذلك.
  ولا تدل هذه الآية على أن المقدم على الفاحشة مؤمن، على ما تقوله المرجئة؛ لأنه تعالى إنما ذكر محبة ظهور الفاحشة في الذين آمنوا، ولم يبين أنها إذا وقعت كيف حالهم، ولا يمتنع أن يكون المؤمن مؤمنا ثم يظهر في المستأنف ما يخرج به عن هذه السمة(٢)، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} يفيد الاستقبال لا محالة، فكيف يدل على ما قالوه؟
  وإذا ثبت أن من هذا حاله له عذاب في الآخرة لا محالة؛ بطل القول بالشفاعة، على ما يقوله من يذهب إلى أنه بشفاعته لا يدخلون النار.
  ٥١٠ - وقوله تعالى من بعد: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ}(٣) يدل أيضا على قولنا في الوعيد، لأنه تعالى بين كونهم ملعونين [و] أنهم من أهل النار والعقاب، وبين بقوله: «في الآخرة»، أنهم يبعدون من الثواب، وينزل بهم العقاب هناك، وبين مع ذلك أن لهم عذابا أليما، سوى اللعن الذي هو بالقول.
  ٥١١ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه لا يمتنع أن يكون
(١) ف: غيرهم.
(٢) د: السمعة.
(٣) الآية: ٢٣ وتتمتها: {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}.