متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الفرقان

صفحة 528 - الجزء 2

ومن سورة الفرقان

  ٥١٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه الخالق لكل شيء والمقدّر له، فقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}⁣(⁣١).

  والجواب عن ذلك قد تقدم في سورة الأنعام⁣(⁣٢)، وبينا أن ذلك لا يدل على خلقه أفعال العباد؛ «من جهات، وأن ظاهره في اللغة يقتضى أنه قد قدّر كل شيء، وذلك مما لا نأباه في أفعال العباد⁣(⁣٣)، لأنه تعالى قد قدّرها وبينها. ودللنا على أن ظاهر التقدير في اللغة ليس هو الخلق، ولا يفيد ذلك أن المقدّر من الفعل المقدور، وبينا ذلك بقول الشاعر:

  وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى

  فأثبته خالقا ونفى عنه القطع الذي هو الفعل.

  وقوله تعالى في هذه الآية: {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} يدل على أن هذا هو المراد بالخلق، على ما ذكرناه.

  وبعد، فإن التقدير إنما يصح في الأجسام؛ لأنها التي يظهر فيها اختلاف الأشكال «ولذلك كثر⁣(⁣٤) ذكر الخلق في الأديم دون غيره. فإذا صح ذلك وجب حمل الآية على أنه خلق الأجسام وقدّرها على ما أراده، ولهذا ذكر هذا عقيب قوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فأراد أن يدل على أنه المختص بالأمور التي توجب العبادة، ليبين أنه لا إله سواه، ولذلك قال بعده:


(١) من الآية: ٢ والآية بتمامها: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}.

(٢) انظر الفقرة: ٢٢٠.

(٣) ساقط من د.

(٤) ساقة من د.