ومن سورة الفرقان
ومن سورة الفرقان
  ٥١٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى فيها ما يدل على أنه الخالق لكل شيء والمقدّر له، فقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}(١).
  والجواب عن ذلك قد تقدم في سورة الأنعام(٢)، وبينا أن ذلك لا يدل على خلقه أفعال العباد؛ «من جهات، وأن ظاهره في اللغة يقتضى أنه قد قدّر كل شيء، وذلك مما لا نأباه في أفعال العباد(٣)، لأنه تعالى قد قدّرها وبينها. ودللنا على أن ظاهر التقدير في اللغة ليس هو الخلق، ولا يفيد ذلك أن المقدّر من الفعل المقدور، وبينا ذلك بقول الشاعر:
  وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى
  فأثبته خالقا ونفى عنه القطع الذي هو الفعل.
  وقوله تعالى في هذه الآية: {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} يدل على أن هذا هو المراد بالخلق، على ما ذكرناه.
  وبعد، فإن التقدير إنما يصح في الأجسام؛ لأنها التي يظهر فيها اختلاف الأشكال «ولذلك كثر(٤) ذكر الخلق في الأديم دون غيره. فإذا صح ذلك وجب حمل الآية على أنه خلق الأجسام وقدّرها على ما أراده، ولهذا ذكر هذا عقيب قوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فأراد أن يدل على أنه المختص بالأمور التي توجب العبادة، ليبين أنه لا إله سواه، ولذلك قال بعده:
(١) من الآية: ٢ والآية بتمامها: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}.
(٢) انظر الفقرة: ٢٢٠.
(٣) ساقط من د.
(٤) ساقة من د.