ومن سورة النمل
  قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[٣٩] يدل على أن القوة قبل الفعل؛ لأنه وصف نفسه بأنه قوى على ذلك قبل أن يفعله. ومتى قيل إنه أراد أنه قوى على غير ذلك اقتضى الخروج عن الظاهر، وبطلت الفائدة بالكلام(١).
  ٥٤٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه يفعل المكر، فقال:
  {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[٥٠].
  والجواب عن ذلك ونظيره قد تقدم(٢). وإنما أراد أنه ينجّى صالحا من قومه الذين عزموا على قتله(٣)، من حيث لا يشعرون، فوصف ذلك مكرا على جهة التوسع، على ما قدمناه من قبل.
  ٥٤٥ - وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ}[٦٢] قد بينا أن المراد ما يجعل(٤) بما صاروا به خلفاء في الحقيقة، من الأحوال التي يفعلها اللّه تعالى لهم.
  ويجوز أن يراد بذلك اللطف والمعونة.
(١) روى القاضي أن أبا العباس الحلبي سأل أبا الحسن البرذعى (من رجال الطبقة الثامنة):
ما الدليل على أن الاستطاعة قبل الفعل؟ فقال: قوله تعالى: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} فأخبر أنه قوى على أن يأتي بعرش ملكة سبأ قبل أن يأتي به فقال الحلبي: كذب العفريت وقوله غير مقبول كقول المعتزلة! فقال البرذعى:
ما أجراك ويحك، إن اللّه تعالى إذا أخبر عن قوم يكذب كذبهم، ألا ترى إلى قوله:
{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} - المائدة ٦٤ - وقوله تعالى: {لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ} ثم قال: {إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} - التوبة - ٤٢ - أفتكذب من لم تكذّبه اللّه، وتنكر على من لم ينكر عليه سليمان نبي اللّه؟ فانقطع الحلبي. شرح عيون المسائل للحاكم، مخطوط.
(٢) انظر الفقرة ٢٠ والفقرة ٦٢.
(٣) انظر الآيات: ٤٥ - ٥٠ من السورة.
(٤) خرم في الأصل بمقدار كلمة واحدة، والمعنى: أن المراد ما صاروا به خلفاء ... الخ.