متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة القصص

صفحة 545 - الجزء 2

  خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}⁣[٢٦] يدل على أن القوة على الفعل تحصل قبله، لأنها لو كانت تحصل حالا بعد حال لم يكن ذلك ترغيبا لأبيها في استئجاره. ووصفها له بأنه قوى، متى لم يرد به ما ذكرته من قبل من الاستئجار لم يكن فيه فائدة ولا له معنى، وكان فيه الزوال عن الظاهر.

  ٥٥٥ - وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}⁣[٣٠] يدل على حدث النداء، من حيث علقه أولا بإتيانه الموضع، وقد علمنا أن الوقت إنما يصح في المحدث دون القديم. ومن حيث قال: {مِنَ الشَّجَرَةِ} وقد علمنا أن لفظة «من» إذا دخلت في الكلام لمعنى، فإما أن يراد بها التبعيض، وذلك لا يصح في هذا المكان، لأن النداء لا يصح كونه بعضا للشجرة. أو يراد به ابتداء الغاية، وهو الذي يصح في هذا المكان، كقولهم: هذا كتاب من زيد، فكأنه تعالى بين أن ابتداء النداء كان⁣(⁣١) من الشجرة، وهذا يوجب حدوثه فيه ليصح ذلك.

  ٥٥٦ - وقوله بعد ذلك: {فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ}⁣[٤٠] لا يدل على أن دخولهم البحر من خلق اللّه، لأن الظاهر لا يقتضيه، من حيث سمى ذلك نبذا وطرحا. فالمراد أنه أغرقهم عند إيصال الماء، فصار حالهم عند ورود الماء عليهم حال من يرد على الماء بالطرح والنبذ.

  ٥٥٧ - وقوله تعالى: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}⁣[٤١] أحد ما يتعلقون به في أنه يدل على أن ما به صاروا كذلك من خلق اللّه تعالى، قالوا


(١) في الأصل: كانت.