ومن سورة العنكبوت
  المكره غيره على كلمة الكفر إذا أكرهه ثم وجد ذلك من المكره فإنما وجد على الحد الذي يوجد لولا الإكراه؛ لأن في الحالين - جميعا - لا بد من وجود القدرة الموجبة فيه، ولا بد من خلقه تعالى ذلك، فما الفائدة إذا في الإكراه، حتى يختلف حكمه وحكم الاختيار في العقل والشرع؟ وكيف يعذب المكره من حيث هدده غيره على ما وجد فيه، ولا يعذب إذا كان اللّه تعالى خالقا لذلك فيه؟ وقد علمنا أن مع تهديد الغير قد يصح خلافه، ومع خلق اللّه تعالى ذلك فيه يستحيل وقوع خلافه. وهذا بين.
  ٥٧٢ - وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً}[٦٧] يمكن أن يحمل على ما يقتضيه ظاهره، من أنه ألقى في قلوب من يخيف ذلك المكان حاله ولأجله انصرفوا عنه، فحصل آمنا، ويعتد فيه بما يقتضى زوال الخوف، فحصل ذلك.
  ٥٧٣ - وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا}[٦٩] لا يدل على أنه يخصهم بالدلالة والبيان، لأنا قد بينا أن ذلك واجب عمومه في جميع المكلفين(١)، ومتى خص بعضهم بالهداية فالمراد به غير ذلك. أو المراد به أنه لما اختص بأن اهتدى بذلك خص بالذكر. وإنما أراد تعالى بذلك سبيل النجاة، والفوز، والثواب؛ لأنه تعالى يخص بذلك من جاهد وأدى ما كلّف.
(١) انظر ما قدمه القاضي في ذلك في الفقرة ٢١ التي يحيل عليها - في الأعم - سائر الآيات المتصلة بموضوع الهدى والضلال.