متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الروم

صفحة 553 - الجزء 2

  ٥٧٥ - وقوله تعالى من بعد: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ}⁣(⁣١) يدل على أن المراد باللقاء ليس هو الرؤية والقرب منه، وإنما هو الوصول إلى الثواب والمنازل الرفيعة.

  ٥٧٦ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه الخالق لما يجرى بين الزوجين من المودّة والعشرة، فقال: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}⁣[٢١].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى ما نقوله؛ لأنه تعالى هو الذي خلق الأزواج، وهو الذي يجعل بين الزوجين المودة والرحمة؛ لأن ذلك إنما هو الشهوة ورقة القلب؛ لأنهما يبعثان على الألفة، والإكثار من النسل.

  ٥٧٧ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه الخالق لكلام العبد، فقال: {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ}⁣[٢٢].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه خلق نفس الألسنة، ومتى أريد بذلك الكلام المفعول فيها، فهو توسع، وذلك مما لا ينكر.

  فإن قالوا: هذا وإن كان كذلك، فمتى حمل الكلام عليه لم يفد.

  قيل له: هذا لو صح لم يمنع مما قلناه، لأن الكلام إنما لم يصر له ظاهر من حيث لو لم يحمل على وجه مخصوص لم يفد، وإنما يقال ذلك عند التنازع في المراد به، مع الاتفاق أن الكلام ليس على ظاهره، وذلك أن اللسان آلة في الكلام، وبحسبه يختلف الكلام، فأراد تعالى أن يبين أنه خالف بين الألسنة،


(١) من تتمة الآية: ٨. وارجع إلى الفقرة ٣٠.