متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الروم

صفحة 554 - الجزء 2

  لكي تختلف الأصوات والنظم في الكلام، فيفصل بين متكلم من متكلم، كما خالف بين الألوان، ليقع للمشاهد التمييز.

  هذا لو ثبت أن ظاهره يقتضى أنه خلق اختلاف الألسنة، فكيف والطاهر لا يقتضيه؛ لأنه تعالى قال: {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} ورجع إلى الآيات، فكأنه قال: ومن آياته اختلاف ألسنتكم، وهذا إنما يوجب أنه دلالة على اللّه تعالى، ولا يمتنع عندنا في أفعال العباد أن تساوى أفعاله تعالى في كونها دلالة، فلا ظاهر للقوم يتعلقون به.

  والأولى ألا يكون المراد بقوله: {وَأَلْوانِكُمْ} ظاهر الألوان؛ لأنه لا يحصل فيه من الاعتبار ما تقتضيه الآية، والمراد بذلك⁣(⁣١) التي يعظم اختلافها، حتى لا يقع فيها تشابه. ولو كان المراد به اللون، وأجناسه محصورة، لوجب أن يكون الاختلاف إنما يقع بين الأسود والأبيض، ولا يقع بين الأشخاص البيض، وهذا بعيد. فالمراد به إذن ما قلناه، من أنه خالف بين الصور⁣(⁣٢) لكي يقع التمييز، فيصل العبد إلى منافع دينه ودنياه، وخالف بين أنواع الألسنة، فاختلف لذلك الأصوات والنغم فوقع التمييز، لكي يصل أحدنا إلى ما يحتاج إليه في دينه ودنياه.

  وقد تأول بعض شيوخنا، رحمهم اللّه، ذلك على أنه تعالى هو خلق اللغات أولا وعلّمها، وهو الذي أراده بالكلام. وما قدمناه أولى بالآية؛ من حيث لا يخفى الحال فيها على كل مستدل، وليس كذلك هذا القول.

  ٥٧٨ - وقوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ


(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب: الصور

(٢) وعده في الأصل خرم بمقدار ثلاث كلمات