ومن سورة الروم
  الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها}(١) يدل على أنه خلق جميع العباد للطاعة والقيام بالدين، على خلاف ما تقوله المجبرة، وذلك أن فطرة اللّه هي دينه، لأنه الذي خلقهم لأجلها وفطرهم لها، فلما فطر الخلق لذلك، وصف نفس الدين بأنه فطره.
  وعلى هذا الوجه يصح ما روى عنه، صلى اللّه عليه، من قوله: «كل مولود يولد على الفطرة(٢)». وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} يبين ذلك، لأنه أراد أن الوجه الذي له خلق الخلق لا يتبدل، لأنه لا يخلق مرة للعبادة وأخرى بخلافها، ولذلك قال من بعد: {ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، ولو لم يرد بما تقدم ما قلناه لم يكن لهذه الإشارة معنى!
  ٥٨٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه الخالق لأفعال العباد والقادر عليها، فقال: {إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[٥٠] فعم الجميع بأنه قادر عليه، وأفعال العباد داخلة فيه.
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يقتضى إلا أنه تعالى قادر على كل شيء فمن أين أن العبد إذا فعل تصرفه أن ذلك من خلقه؟ ولا يجب عند كثير من العلماء أن يكون المقدور إذا صح كونه مقدورا للّه، أن يكون عند الوجود مفعولا
(١) الآية ٣٠ وتتمتها: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
(٢) أخرج البخاري في باب «قوله: [لا تبديل لخلق اللّه] لدين اللّه» من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ﷺ: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة عجماء هل تحسّون فيها من جدعاء؟ ثم يقول: - أي أبو هريرة - [فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين القيم].
انظر فتح الباري الجزء الثامن ص ٤١٦
وانظر كذلك الجزء الثالث، ص: ١٧٢.