ومن سورة الروم
  للّه تعالى، ويقولون: يصح من اللّه فعله لو أراده، لكنه إذا قدر العبد عليه لم يجز أن يريد فعله، وإنما يفعله العبد، وفي ذلك سقوط تعلقهم بالظاهر.
  فأما على قولنا في أن ما لا يكون فعلا للّه لا يجوز يكون أن مقدورا له، فالجواب أيضا ظاهر، لأن وصفه جل وعز بأنه قادر على الشيء لا يتضمن صحة كون ذلك الشيء مقدورا له أولا! لأن إثبات الصفة يتضمن صحتها، فما لا يصح لا يجوز دخوله تحت الظاهر، كما أنه إذا وصفناه بأنه عالم بالأشياء لم يدخل في ذلك ما لا يكون معلوما، وقد ثبت أن فعل العبد لا يصح كونه مقدورا، فالظاهر لا يتناوله.
  وبعد، فإن لفظة الشيء تنطلق على الموجود، والباقي، والمعدوم، وقد تكلمنا أنه لا يكون مقدورا إلا إذا كان على بعض هذه الصفات(١)، فالوجوه التي يحتمل عليها تتنافى، ويستحيل مع بعضها أن يكون معدوما، ويصح على البعض، فما هذا حاله لا يجوز دخوله تحت الظاهر، لأن إرادته كالمتنافى.
  وبعد، فإن هذه اللفظة في الإثبات لا تفيد في اللغة العموم، لأنها بالتعارف تطلق في المبالغة والتكثير، كقوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}(٢) و {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ}(٣) و {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ}(٤) فإذا كان التعارف خصصها لم يمكن حملها على العموم. ويجب أن تكون محمولة على ما تقدم في الكلام من إحياء الموتى وغيره، مما بين أنه تعالى يختص بالقدرة عليه، وأنه أولى أن يعبد من الأصنام والأوثان.
  ٥٨٣ - فأما قوله تعالى: {كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[٥٩] فقد تقدم القول في الطبع، في غير موضع(٥).
(١) انظر الفقرة ٢٢٠.
(٢) سورة النمل، الآية ٢٣.
(٣) سورة الأنعام - الآية ٣٨.
(٤) سورة القصص، الآية ٥٧.
(٥) انظر الفقرات: ١٨، ١٧٩، ٢٥٩.