متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة سبأ

صفحة 569 - الجزء 2

ومن سورة سبأ

  ٦٠٣ - أما قوله تعالى: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا}⁣[١٨] فليس فيه أكثر من أنه قدر السير، وذلك لا يدل على أنه من خلقه؛ لأن «قدر» كما يراد به ذلك، فقد يراد به البيان والتعريف والحكم بمقادير مخصوصة. وإنما أراد تعالى بذلك أنه غيّر مسالكهم عن الحالة التي كانت عليها في الخصب والعمارة، إلى خلافه، وقدر فيها خلاف ما كان في سيرهم.

  ٦٠٤ - وقوله تعالى قبل ذلك: {وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ}⁣[١٧] لا يدل على مذهب الخوارج من أن كل معذّب كافر؛ لأن ظاهره وإن دل على ذلك يجب أن يدل على أن المؤمن كافر، لأنه يجازى على ما كان منه!

  والمراد بذلك: أنه لا يجازى بعذاب الاستئصال المعجل في الدنيا إلا من كفر وكذب الأنبياء⁣(⁣١).

  ٦٠٥ - وقوله تعالى: {قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}⁣[٢٥] يدل على أن كل واحد لا يؤاخذ إلا بذنبه وعمله، وأنه تعالى لو خلق ذلك فيهم لما سئلوا عنه ولا أخذوا به.

  ٦٠٦ - وقوله: {وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}⁣[٣١] يدل على ما نقوله في العدل، وذلك إنما ذكر تعالى مما يجرى بينهم ويرجع فيه بعضهم إلى بعض، من قول المستضعفين للمستكبرين


(١) انظر الآيات: ١٥ - ١٧ من السورة.