ومن سورة يس
  ما ذكروه لتناقض، لأن جعله تعالى يقتضى أنه من فعله، وأنه مما عملته أيديهم:
  يقتضى أنه من فعلهم، وذلك يناقض.
  على أنه يؤدى إلى أن لا يفيد، لأنه لا يجوز منه تعالى أن يذكر في جملة النعم ما عملته أيدينا، لأن ظاهر ذلك لا يوجب كونه نعمة. ومتى حملناه على أن المراد ما يؤدى إليه عملنا من المكاسب دخل في باب النعم، لأنها عندنا من قبله تعالى، ومن جملة ما قدره من الأرزاق. فحمله على هذا الوجه الذي يليق بالآية أولى.
  ٦١٧ - وقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[٥٤] يدل على أنه لا يجوز أن يأخذ في ذلك اليوم أحدا بذنب غيره، من الأطفال وغيرهم. لأنه جعل ما ذكروه من حكم ذلك اليوم، فظاهره يقتضى أنه لا يجوز خلافه.
  ويدل أيضا على أنه لا يجازيهم على ما يخلفه فيهم، لأنه يكون مجازيا لهم على ما لا سبيل لهم إلى التخلص منه، وهذا أعظم من تعذيب الواحد على ذنب غيره!
  وقوله: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} يقتضى تنزيهه عن الظلم؛ وذلك لا يتم إلا على ما نقول، لأنه لو عذب في ذلك اليوم الأطفال لم يكن في الظلم أعظم [منه]، وكذلك لو كان سائر من يعذّبه هو الذي خلق فيه ما عذّبه عليه لم يكن في الظلم أعظم منه. ولو كان يجب أن يكون ظالما بالعذاب في الحال ويفعله لما أوجب ذلك من قبل، فاللّه يتعالى عن قولهم علوا كبيرا.
  ٦١٨ - وقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ