متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة يس

صفحة 578 - الجزء 2

  الإضرار، بإرادته المضرة بالغير، لا يكون عدوا في التعارف مع ظهور عجزه، فكيف يقال في الشيطان: إنه عدو ولا سبيل له إلى فعل العداوة إلا بأن تخلق فيه! ولا يكون تعالى عدوا للكافر - على قولهم - مع أنه يخلق الكفر فيه ويحمله عليه ويصرفه عن الإيمان وقدرته ثم يعاقبه عقابا دائما؟ وكيف يقبل نقض الكافر هذا العهد من اللّه تعالى مع أنه الذي يخلق فيه المعاصي ولا يمكنه التخلص منها.

  وفائدة العهد: أن يكون تذكره داعيا إلى ما عهد إليه من ترك المعصية، وذلك لا يصح، مع وجوده فيه من فعل الغير على وجه لا يمكن مفارقته.

  ٦١٩ - وقوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} يقتضى أنه بعثه على عبادته من حيث سهّل الطريق وأوضح السبيل، وذلك لا يصح إلا إذا كانت العبادة من جهتهم تقع، وباختيارهم تكون؛ وإن كان تعالى هو الممكّن لهم من فعلها.

  ٦٢٠ - وقوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً} إنما يتم متى لم يكن هو الخالق للضلال فيهم. وإلا فوجود إضلال الشيطان كعدمه، لأنه لا تأثير له، لأنه إن اختار تعالى فيه خلق الكفر وجب وجوده، أضله الشيطان أم لا، وإن لم يختر ذلك منه فكمثل، فكيف يقال، على طريق الذم للشيطان: إنه أضل خلقا كثيرا، مع أنه تعالى هو الخالق للضلال فيهم، بل هو الخالق لإضلاله لهم وللشيطان أيضا؟ فتعود الحال إلى أنه لا مضلّ إلا اللّه تعالى، ولا عدوّ للكافر إلا هو، لكنه يضل ويعادى بخلقه الضلال، وبخلق الإضلال والعداوة في غيره.

  وهذا ظاهر فيما نريده من إثبات العدل، وأنه لا يخلق أفعال العباد، ولا يضلّ الكفار والعصاة.

  ٦٢١ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على جواز الجوارح عليه،