متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة والصافات

صفحة 581 - الجزء 2

  باستفهام⁣(⁣١)، ولا يجوز أن يبكتهم في عبادة الأصنام، ثم يقول على طريق التعليل:

  {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} إلا وللثاني تعلق بالأول وتأثير فيه، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يكون كذلك إلا والموصوف ثانيا، هو الموصوف أولا حتى يصح كونه علة فيه وسببا يمنع من عبادتهم له. ولولا ذلك لخرج القول الثاني من أن يتعلق بالقول الأول. فإذا صح ذلك وجب ضرورة حمل قوله {وَما تَعْمَلُونَ} على أن المراد به الصنم، ليصح أن يكون علة في المنع من عبادته، ومقتضيا التبكيت والتوبيخ، ويكون كأنه قال: أتعبدون ما تنحتون من الأصنام المعمولة من الخشب واللّه خلقكم وخلق ذلك معكم، فكيف يصح أن تنحتوه إلها يعبد، مع حاجته في خلقه إلى اللّه تعالى، كما أنكم تحتاجون إليه؛ ومع أنه لا يملك ضرا ولا نفعا، وهو تعالى المالك لذلك لكم وله؟

  ومتى حمل الكلام على خلاف ذلك أدى إلى كونه سخفا، لأنه يصير كأنه قال: أتعبدون ما تنحتون، واللّه خلقكم وخلق في أيديكم الحركة! وقد علمنا أن ذلك لا يقع من كثير من السفهاء، فضلا عن الحكيم!

  وليس لأحد أن يقول: إن الذي ذكرتموه زوال عن الظاهر، وقد بينتم في جميع ما يتعلق به القوم أن تثبتوا أن الظاهر ليس معهم، وذلك أن هذا الكلام إذا ورد مورد التعليل كان ظاهره ما قلناه، ولو كان لو انفرد لكان ظاهره ما زعموه، ولا يمتنع في الكلام أن يتغير ظاهره بما يتصل به من مقدمة ومؤخرة، وقد بينا أن ظاهر التعليل إذا ذكر عقب التبكيت؛ يقتضى ما قلناه، فلم يخرج إذا لهذا الوجه عما نظمناه في جميع الآي، على ما زعمه السائل.


(١) انظر الآية: ٨٣ فما بعدها من السورة.