ومن سورة والصافات
  يبين ما قلناه: أن قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} لو انفرد لم يفد، وإنما يفيد إذا علق بما تقدم، وفائدته تقتضى ما ذكرناه.
  وبعد، فإن قوله: {وَما تَعْمَلُونَ} لا بد من أن يكون راجعا إلى ما تقدم رجوعه إليه، فيقتضى تقدير محذوف، ولا يخلو ذلك من وجهين: إما أن يريد:
  وما تعملون فيه النحت. أو يريد: وما تعملونه من النحت فيه، لأنا إن حملنا الكلام على عمل لا تعلق له بالأصنام البتة، اقتضى كون الكلام لغوا. وقد علمنا أنه متى حمل على الثاني خرج من باب التعليل وصار كأنه يتعلق بالأصنام، لأن القوم لا يعبدون النحت الذي هو فعلهم في المنحوت، ولا استحقوا التبكيت واللائمة على شيء يتعلق به، فيجب إذا أن يكون محمولا على الوجه الأول، وهو ما يعملون النحت فيه، وهذا يوجب أن المراد ما قلناه من أنه خلقهم وخلق ما عملوا فيه النحت من الأصنام. وهذا مما لا ينكر.
  يبين ما قلناه أن الفصيح لو قال وقد عصى غيره(١) في أكل أو شرب أو لباس: كيف تعصينى وقد ربيتك وأعطيتك ما تأكل وما تشرب، لوجب حمل الظاهر على المأكول والمشروب دون الأكل والشرب، اللذين هما من فعله.
  وكذلك ما ذكرناه، لأن {ما تَعْمَلُونَ} بمنزلة قول القائل: «ما تأكلون» وإن كان أحدهما أخص من الآخر.
  وهذا هو الواجب في كل ما تعلق العمل به إذا كان العمل في الأجسام المشار إليها، لأن الإنسان إذا قال: الصانع يعمل الخلخال، فالمراد به نفس الجسم، والنجار يعمل الباب، والحداد يعمل الفأس، فعلى هذا الوجه قال تعالى:
(١) كذا الأصل، والصواب: وقد عصاه غيره. أو: لو قال لغيره وقد عصاه في ...