متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة والصافات

صفحة 583 - الجزء 2

  {يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ}⁣(⁣١) وأراد بكل هذا المعمول فيه دون العمل، وقال تعالى: {تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ}⁣(⁣٢) و {تَلْقَفْ ما صَنَعُوا}⁣(⁣٣) وأراد بذلك ما صنعوا فيه من الحبال أو غيرها؛ لأنها التي يصح فيها التلقف والتناول، دون حركاتهم.

  فهذه طريقة في التعارف أقوى مما ادعوه لو لم يكن الكلام جاريا مجرى التعليل أيضا.

  على أن الكلام متى كان على ما حملوه تناقض في المعنى، وذلك أنه تعالى إذا أراد: واللّه خلقكم وخلق عملكم، فقد وجب بذلك لا محالة أن يكون خالقا لنفس عبادتهم لأنها من جملة العمل، ولأنه لا يصح التفرقة بين الأعمال في أنه تعالى يخلقها عندهم، فإذا صح ذلك وجب على هذا أن يكون تعالى كأنه قال:

  أتعبدون ما تنحتون واللّه خلقكم وخلق عبادتكم مع سائر أفعالكم؟ وهذا يوجب زوال التبكيت واللائمة، من حيث قصد به التبكيت، وهذا يتناقض، على ما ذكرناه، لأنه تعالى إن خلق عبادتهم فكيف يجوز أن يوبخهم عليها؟! وإن خلق فيها تحت الأصنام، فكيف يجوز أن يوبخهم على ذلك؟ وكل كلام صدر من حكيم فحمله على ما يناقض في الوجه المقصود إليه لا يصح، والواجب حمله على ما يشاء ويصح، وهو الذي قلناه.

  وبعد، فإنه تعالى حكى ذلك عن إبراهيم، #، في إنكاره عليهم عبادة الأصنام، وقوله: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}⁣[٨٦] إلى آخر


(١) سورة سبأ، الآية ١٣.

(٢) سورة الأعراف، الآية: ١١٧.

(٣) سورة طه، الآية ٦٩.