متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة والصافات

صفحة 584 - الجزء 2

  الآية يدل على ما قلناه وذلك يوجب أنه أورد ذلك عليهم مورد الحجاج، ليصرفهم به عماهم عليه من عبادة الصنم، ولكي يعدلوا عن عبادة الصنم إلى عبادة اللّه تعالى. فلو حمل الكلام على ما قالوا لكان إبراهيم كأنه قال لهم: أتعبدون الأصنام، واللّه خلقكم وخلق فعلكم؟ ولو أراد ذلك لكان في نهاية الركاكة، وكان لهم أن يقولوا: وما في أنه خلقنا وخلق أعمالنا ما⁣(⁣١) يوجب أن ننصرف عن عبادة الصنم، فليس الصنم نحن، ولا عملنا وإنما هو ثالث لهذين الأمرين اللذين ذكرنا، فكيف ننصرف عن عبادته من حيث ثبت في غيره أن اللّه خلقه؟ فكانت الحجة لهم عليه ثابتة، وكل قول يؤدى إلى لزوم حجة الكفار للأنبياء، فهو في نهاية الفساد.

  فالصحيح إذن ما ذكرناه من أنه بين أنكم تعبدون ما اللّه خلقكم وخلقه، فبأن تعبدوا اللّه الذي خلق الأمرين، وهو مالك الضر والنفع، أولى من أن تعبدوا الصنم الذي في أصل وجوده يحتاج إلى الإله الذي أدعوكم إلى عبادته، فضلا عن سائر صفاته. وقد علمناه أنه متى حملوه على هذا الوجه فحجته لهم لازمة، فحمله عليه أولى. وعلى هذا الوجه سلك الحجاج الذي قبله حيث قال:

  {ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ}⁣[٩٢] وقال لهم: {أَلا تَأْكُلُونَ}⁣[٩١] ليتبين ذلك⁣(⁣٢) للسامع أن الأصنام إذا لم يصح منها النظر ولا الأكل ولا التصرف فهي مدبّرة، فلا يصح أن تعبد وتترك عبادة اللّه تعالى المدبر للخلائق.

  وبعد، فإنه جل وعز حكى عن قوم إبراهيم، #، أنهم كانوا عباد أصنام، وأنه صلّى اللّه عليه، كان يخاطبهم دائما في ذلك، ولم يحك عنهم الكلام


(١) في الأصل: مما.

(٢) لعلها زائدة.