ومن سورة والصافات
  ويصير الكلام متناقضا - لأنه كأنه قال: واللّه خلقكم وخلق المعدوم الذي لم يوجد - ويوجب أن لا يكون في القول فائدة، وأن لا يتعلق ذلك بما وبخهم عليه، وبكتهم به.
  وبعد، فإن كان الظاهر يوجب ما قالوه، فيجب أن لا يكون عملهم باطلا، ولا قبيحا ولا متفاوتا، لقوله تعالى: {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ}(١) ولقوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(٢) وقد علمناه متفاوتا، ويقبح، ولا بد من كونه باطلا، خصوصا عبادة الأصنام والأوثان، فلم صاروا بأن يتعقلوا بظاهر هذه الآية بأولى من سائر الآيات في المنع من التعلق بظاهرها، وقد علمنا أن الحكيم إذا بين بعض الأمور وأوضحها، فالواجب في خطابه من بعد أن يترتب عليه، ومتى رتب على ذلك لم يعد ذلك خروجا عن الظاهر؛ لأنه يخاطب على معهود وعرف. فإذا كان تعالى قد بين من جهة العقل أن تصرف العبد الذي يستحق به الحمد، والذم، والثواب، والعقاب، ويقع بحسب دواعيه ومقاصده، وبحسب اختياره وعلمه وآلاته؛ لا بد من أن يكون واقعا من جهته - لأنه لو كان فعلا لغيره لم يجب كونه موقوفا على قدره وعلومه وآلاته ودواعيه - ثم بين من جهة السمع مثل ذلك، ونبه على أنه لا يفعل إلا الحسن الذي لا تفاوت فيه، والمتقن المحكم، فالواجب فيما دبر من الآي إذا احتمل ما يوافق(٣)، أن يكون حمله على ذلك كالظاهر المعهود المتقدم، على بيناه.
  وكل ذلك يبين أن تعلق القوم بمثل هذا يدل على ذهابهم عن طريق
(١) سورة الملك، الآية: ٣.
(٢) سورة السجدة، الآية: ٧.
(٣) أي: ما يوافق هذه الجملة.