ومن سورة والصافات
  وقد صح أن المأمور به لا بد من كونه مرادا، فيجب أن لا يكون مأمورا به.
  أصلا! ومتى قالوا في هذا القول: إنه رجوع إلى غير الظاهر، لزمهم مثله فيما قالوه.
  وبعد، فإن الظاهر يقتضى أنه رأى في المنام أنه يذبحه، فمن أين أن ذلك أمر من اللّه تعالى؟ وقد يرى في المنام ذلك وغيره. بل الظاهر فيما هذا حاله أن لا يقطع بأنه أمر من اللّه في الحقيقة إلا بمقدمة يعلم بها هذا من حاله، فكيف يصح تعلقهم بالظاهر؟ ومتى قالوا: قد علمنا بغير الظاهر أنه أمر من اللّه تعالى، فقد خرجوا عن الظاهر ودخلوا في باب التأويل معنا.
  وقد بينا في أصول الفقه القول في ذلك، وأنه تعالى ذكر الذبح، وأراد به مقدماته من الإضجاع وأخذ المدية، لأن فاعل ذلك من حيث يقرب إلى أن يكون ذابحا يوصف بهذه الصفة، كما قيل في مقدمات الموت من المرض المخوف: إنه موت، فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}(١) وقد علمنا أن الوصيّة لا تكون منه مع وقوع الموت.
  وقوله تعالى من بعد: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا}[١٠٥] ولما وقع الذبح وإنما فعل ما قلناه، يدل على أن المراد بالكلام ما قلناه. فإذا صح ذلك وقد فعل إبراهيم، # ما أريد منه، ثبت أن الذبح الذي لم يفعله ليس بداخل فيما أمر به، ولا فيما أريد منه، وذلك يبطل تعلقهم بالظاهر.
  وقد بينا الكلام على من يستدل بذلك في جواز البداء، وفي جواز النسخ قبل وقوع الفعل، فلا وجه لإعادته.
(١) سورة البقرة، الآية: ١٨٠.