متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الزمر

صفحة 595 - الجزء 2

  بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ٣٦ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ}⁣[٣٦ - ٣٧] يجب أن يحمل على الثواب والعقاب، لأن من هداه اللّه إلى الثواب فلا مضل له عنه، ومن أضله عنه وعاقبه فلا هادي له إليه⁣(⁣١). وقد بينا من قبل أن ذلك الظاهر لا يدل على ما يزعمون في الضلال والإيمان، من أنه الإيمان والكفر.⁣(⁣٢)

  ٦٤٣ - وقوله تعالى من بعد: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}⁣[٤٢] لا يدل على أن اللّه - تعالى - خلق الموت والقتل فيه، لأن ظاهره إنما يقتضى أنه يتوفى الأنفس، والتوفى لا يفيد الموت والقتل.

  وإنما المراد: أنه يستوفى ما فيها من الروح، إما بنفسه وإما بأمره، فيكون متوفى لها، ومتى أريد بذلك الموت فهو مجاز. وقد بينا أنه لو حمل على الموت لم يمنع ذلك من كون القتل فعلا للقاتل⁣(⁣٣) وإنما كان يجب أن يقال: فإنه - تعالى - يحدث مع القتل موتا، وهذا مما لا نأباه.

  ٦٤٤ - وقوله تعالى: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}⁣[٥٣] لا يدل على ما يقوله المرجئة من أن الفاسق يغفر له إذا كان من أهل الصلاة، وذلك لأن ظاهره بأن يتناول الكافر أولى، لأنه أدخل في كونه مسرفا على نفسه، ولا يكاد يقال ذلك في كل من عصى، وإنما يقال فيمن بالغ في المعصية وانتهى فيه إلى غاية عظيمة، فإذا لم يوجب ذلك غفران الكفار فبأن لا يوجب غفران الفساق [أولى].


(١) في الأصل: إليها.

(٢) انظر الفقرتين: ٢٢ و ٤٠٣.

(٣) انظر الفقرة: ١٣٢ مع التعليق.