ومن سورة الزمر
  وبعد، فإنه يوجب بظاهره أنه تعالى يغفر لهم لا محالة، وليس ذلك بقول لمن يعرف من المرجئة، ويوجب القول بأنه تعالى قد أغرى بالمعاصي من حيث علمنا أنه يغفرها لا محالة، وهذا مما لا يجوز في تكليف الحكيم.
  وبعد، فإن القنوط من رحمة اللّه هو أن يعتقد المسرف على نفسه أنه لا يغفر له البتة، فأما إذا اعتقد أنه يغفر له بالتوبة، فإنه لا يكون قانطا، فيجب أن تكون المغفرة المذكورة على الوجه الذي يخرج المسرف على نفسه من أن يكون قانطا من رحمة اللّه، ولا يوجب ذلك إلا جواز المغفرة على بعض الوجوه فقط فمن أين أنه تعالى يغفر على كل حال.
  وبعد، فإنه تعالى بين من بعد أنه يغفر مع التوبة والإنابة، فقال: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ}[٥٤] ولو أراد المغفرة على كل وجه لم بخوف من العذاب إذا هم لم ينيبوا ولم يسلموا، بل كان يجب زوال العذاب عنهم للمغفرة المتقدم ذكرها، أنابوا وأسلموا أم لم يفعلوا ذلك.
  وبعد، فإذا ثبت أن الكفار داخلون في الآية صح أن المغفرة بشرط التوبة، فكذلك المغفرة في الفساق، لأن الكلام على وجه واحد [و] لا يمكنهم التخلص من ذلك إلا مع القول بأنه تعالى إنما أراد الفساق فقط. وقد بينا أن وصفه لهم بأنهم أسرفوا على أنفسهم كالمانع من ذلك، على أن فيما بعده ما يدل على أن الآية في الكفار فقط، وهو قوله تعالى: {بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ}[٥٩] لأن هذا راجع إلى ما تقدم.
  ٦٤٥ - وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ}[٥٤] يدل على أن التوبة والإنابة لا تنفع إذا جاء العذاب، على ما نقوله؛ من أن أهل النار ملجئون، فلا تقبل لهم توبة.