ومن سورة حم عسق
  لأن حمله على ما يعلم ضرورة خلافه لا يجوز، ومعلوم من حاله، صلى اللّه عليه، أنه كان من دينه ومذهبه أن له الحجة لازمة للكفار، وأن عليهم الانقياد له ولها، فلا يصح حمله على ظاهره، مع أن من خالفنا من المجبرة لا يقول إن الكفار لا حجة للرسول عليهم، فلا يصح تعلقهم بذلك. وإنما نلزمهم نحن، على مذهبهم، أن لا يكون للّه تعالى، ولا لأحد من الرسل على أحد من الكفار حجة؛ لأن الغرض بالحجة التمسك بما توجبه عند القدرة عليه وعلى الإعراض عنه، وإن كان تعالى هو الخالق للكفر فيهم، لم يصح ذلك فيه، وإن كان تعالى يخلق فيه المعارف - وإنما يحصل القوم عارفين بها - فلا وجه لثبوت الحجة وتكريرها وإعادتها مرة بعد مرة، فلما أعرضوا ولم ينتفعوا قال هذا القول توبيخا وتبكيتا؛ ليبين ذلك أن نفس الآية تتضمن الحجاج عليهم، فكيف يصح أن تتضمن مع ذلك أن لا حجة له عليهم؟ وهذا بين.
  ٦٧١ - وقوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ}[٢٢] يدل على قولنا في الوعيد؛ لأن الذي كسبوه هو العقوبة المستحقة على ظلمهم، فخبر تعالى أنه واقع بهم لا محالة.
  وإذا ثبت أنها دائمة، فيجب إدامة وقوعها بهم، وفي ذلك بطلان قولهم في إلا رجاء، والشفاعة لأهل الكبائر.
  ٦٧٢ - قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ}[٢٤] فلا يدل على المنع مما كلفوا، لأن ظاهره ليس فيه أنه ختم على قلبه، وإنما فيه أنه لو شاء لفعل، وقد بينا أن الختم يفيد ظاهره السمة والعلامة، فلا تعلق لهم بالظاهر