ومن سورة الأحقاف
  مع ما ذكرناه من تقدم خلق كتاب موسى له، فجميع ذلك إذن متفق غير مختلف.
  ٦٩٤ - وأما قوله: {قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}[١٥] فلا يصح تعلقهم به في أنه تعالى الخالق لأفعال العباد، وذلك أنا قد بينا أن الصلاح في الدين يراد به الاستصلاح(١) الذي عند مصادفة القبول يكون العبد صالحا، لأنه لا بد من أن يكون مختارا محتملا للكلفة فيه ليستحق الثواب، فيكون صالحا به وصلاحا له، وذلك يقتضى صحة ما ذكرناه فيه، ويفارق صلاح الدنيا، لأنه قد يصح أن يكون اضطرارا، فيصلح المفعول به ذلك لا محالة، كصلاح الجسم في الخلقة وزوال السقم، إلى ما شاكله.
  فإذا ثبت ذلك، فإنما دعا اللّه في إصلاح ذرّيته على هذا الحد الذي ذكرناه في الدين، بأن يلطف لهم ويعينهم ويسهل سبيلهم إلى الطاعات، فيصيروا صالحين.
  وقد مضى القول في ذلك من قبل، ولذلك قال في نفسه: {وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ}. فسأل اللّه تعالى أن يسهّل له الشكر على نعمه، وأن يلطف له في أن يعمل صالحا، وكل ذلك متفق غير مختلف.
  ٦٩٥ - وأما تعلق المرجئة بقوله تعالى: {وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[١٩] في أن الذي يرتكب الكبيرة من [أهل] الإيمان لا يجوز أن يضيّع، ولا بد أن يوفّى! فبعيد؛ لأن ظاهره يقتضى أنه يوفيهم نفس أعمالهم، وذلك لا يصح، لأن عملهم قد تقضى، فلا يصح هذا الوجه فيه.
(١) انظر الفقرات: ٤٧٨، ٤٧٩، ٤٨١.