متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة محمد [صلى الله عليه]

صفحة 616 - الجزء 2

ومن سورة محمد [صلى اللّه عليه]

  ٦٩٧ - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ٤ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ}⁣[٤ - ٥] من أقوى ما يدل على أن الهدى قد يكون بمعنى الثواب، لأنه تعالى بين أنه بعد القتل سيهديهم، فلا يصح حمله على خلق الإيمان فيهم كما يقوله المخالف، ولا على الدلالة والبيان لأن التكليف قد زال، فليس إلا ما ذكرناه، ولذلك أتبعه بقوله: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ}⁣[٦].

  ٦٩٨ - وقوله: {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ} يدل على أن الضلال قد يكون بمعنى الهلاك، لأنه لا يمكن حمله على الضلال عن الدين؛ على ما يقوله القوم، فليس إلا ما ذكرناه من أنه يهلكها ويبطلها، ويبين ذلك قوله من بعد: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ}⁣[٨] فأثبت في أعمالهم من الضلال ما نفاه عن أعمال من قتل في سبيل اللّه، فالمراد واحد على ما ذكرناه.

  ٦٩٩ - وقوله تعالى، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً}⁣[١٧] يبين أن الهدى قد يكون بمعنى الدلالة والبيان، لأنه لا يمكن أن يحمل الأمر فيه على خلق الإيمان فيهم، لأنه وصفهم بالاهتداء، فلا بد من أن يكون محمولا على زيادات الأدلة. وقد بينا أن المهتدى هو المتمسك بالأدلة، والعامل بموجبها لا بد من أن ترد عليه خواطر من قبل اللّه - تعالى - تزيده بصيرة إلى ما هو عليه من المعرفة، فيشرح بذلك صدره ويكون إلى الثبات على الاهتداء أو الطاعة أقرب، وهذا مما يعرفه العالم من نفسه، لأنه كلما كثر نظره تكون معرفته بالشيء الواحد أقوى. وقد يجوز أن يخطر ببالهم ما تحل به الشبه الواردة عليهم في النظر والمعرفة فيزيدهم ذلك سكونا وثلج صدر، وهذا أيضا معروف من حال العلماء.