ومن سورة محمد [صلى الله عليه]
  ٧٠٠ - وأما قوله {أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ٢٣ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}[٢٣ - ٢٤] فقد بينا أنه لا يمكن للقوم حمله على ظاهره(١)، لأن من لعنه اللّه لا يجب أن يختص بالعمى والصمم، بل أكثرهم بخلاف هذه الصفة، ولو اختصوا بذلك لم يمنعهم من التدبر والقيام بأداء ما كلفوا. فالمراد بذلك ما قدمنا من تشبيه حالهم بحال الأعمى الأصم، من حيث لم ينتفعوا بما سمعوا ولم يتدبروا، فشبه حالهم بما ذكرناه، كما يقال لمن لا يفهم بعد أن تبين له، وتكرر القول مرة بعد أخرى: إنه حمار وأعمى، قد طبع على قلبه، على طريق التشبيه والتمثيل:
  ٧٠١ - وقوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} يدل على وجوب النظر.
  ويدل أيضا على بطلان قول المجبرة، لأن تدبرهم لو كان من خلق اللّه تعالى فيهم لما جاز أن يبكتوا بهذا القول، وأن يبعثوا على التدبر له، لأنهم إن خلق اللّه فيهم التدبر، فلا بد من أن يكونوا متدبرين على كل حال، وإن لم يخلق ذلك فيهم فكمثل، فكيف يصح على هذا القول البعث على التدبر، والتوبيخ على تركه؟
  ٧٠٢ - فأما تعلقهم بقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ}[٢٩] في أن ما يحصل في قلوبهم من المرض والكفر من فعله تعالى، وهو الذي يدخلهم فيه ويخرجهم عنه، فبعيد، وذلك أن ظاهره يقتضى إثبات مرض في قلوبهم فقط، من غير بيان ذكر فاعله، وإن كان لو أضيف إليه تعالى لكان ظاهره إنما يقتضى أن يخلق في قلوبهم المرض والغم، وهذا مما لا نأباه، على ما ذكرناه في سورة البقرة(٢).
  وإنما أراد تعالى بهذه الآية: المنافقين الذين استسروا عداوة الرسول #،
(١) انظر الفقرة: ١٨ والفقرة ٢٧٨.
(٢) انظر الفقرة: ١٩.