متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة محمد [صلى الله عليه]

صفحة 618 - الجزء 2

  وتواطئوا على الإضرار به، فلما أظهر - تعالى - عنهم هذه الحال جاز أن يوصف بأنه أخرج أضغانهم:

  ٧٠٣ - فأما تعلق من يقول بحدث العلم بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}⁣[٣١] فلا يصح، لأن علمه بحالهم وحال ما كلفهم لو لم يتقدم لقبح التكليف والابتلاء أصلا، لأنه إنما يحسن من المكلف يأمر بما يعلم حسنه واختصاصه بصفات زائدة تقتضى فيه كونه واجبا وندبا، فإذا صح ذلك [فلا بد] من أن يكون عالما بذلك، وبأن المكلف يتمكن من فعله على الوجه الذي كلّف، فكيف يصح مع هذا أن يكون علمه بحالهم حادثا بعد التكليف والابتلاء؟

  فالمراد بالآية: ولنأمرنكم بالمجاهدة والصبر حتى يقع الجهاد والصبر منكم وتتميز حالكم من حال من لا يجاهد؛ فتكون لفظة «حتى» داخلة على نفس الجهاد، من وقت وقوعه ومفارقته لمن عصى، لا على نفس العلم: وهذا كما يقول أحدنا:

  ما علم اللّه متى ما ذكرته، وإنما يعنى بذلك نفى المعلوم لا نفى العلم.

  ٧٠٤ - وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}⁣[٣٣] يدل على الإنسان قد يبطل عمله الذي فعله، وقد علمنا أن ما وقع لا يجوز أن يبطله، وليس ذلك في المقدور، لأنه قد تقضّى ووقع. فالمراد إذن: لا تبطلوا الثواب المستحق عليه. وفي ذلك دلالة على أن في الطاعات ما يبطل ثوابه بالمعاصي، على خلاف ما يقول بعض المرجئة في ذلك.