ومن سورة الفتح
  ٧٠٨ - فأما تعلقهم بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ}[٤] في أنه تعالى يخلق إيمان المؤمن، فبعيد، وذلك أن الظاهر إنما يقتضى أنه أنزل السكينة في قلوبهم، ولفظة «الإنزال» لا تقتضى الخلق، فكيف يصح تعلقهم بالظاهر؟
  والمراد بذلك: أنه سكّن قلوبهم وآمنهم من العدو، فمن حيث فعل ذلك كان منزلا السكينة في قلوبهم، ليزدادوا إيمانا، ويقووا على الجهاد، ويطلبوا الظفر.
  وهذا هو المراد بقوله تعالى بعد ذلك: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ١٨ وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها}[١٨ - ١٩] وقوله تعالى من بعد: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[٢٦].
  ومتى حمل الكلام على ما ذكرنا كان الكلام على الحقيقة، لأن الأمر الذي تأولناه عليه من فعله تعالى. وإن كان في شيوخنا، رحمهم اللّه، من تأوله على معنى اللطف والمعونة؛ وأنه تعالى لما فعل هذه الأسباب الداعية لهم إلى إثبات القلب وسكونه، جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه.
  ٧٠٩ - فأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[١٠] فلا يصح تعلق المشبهة به في إثبات اليد للّه تعالى، وذلك أن ظاهره يوجب جواز المصافحة عليه، وجواز اليمين على يده، حتى يصح فيه معنى الفوق، وقد علمنا أن القوم لا يجوزون ذلك!
  ولا يكون في وصفه - تعالى - بأن يده فوق أيديهم، على معنى المكان - على هذا الوجه - فائدة، لأن الضعيف قد تكون يده فوق يد القوى. فالمراد إذن بالآية «إذا علمنا(١) أن المقصد أنه أقوى منهم وأقدر، مبينا بذلك أنهم إذا نكثوا
(١) كذا الأصل، ولعل الصواب إن لم تكن زائدة «أن يعلمنا».