ومن سورة الحجرات
ومن سورة الحجرات
  ٧١١ - أما قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[٢] فإنه يدل على أن ثواب الإنسان ينحبط بما يستحقه من العقاب على الكفر والفسق، على ما نذهب إليه في الإحباط والتفكير، وذلك يبطل قول من ينفى ذلك من المرجئة.
  ٧١٢ - وقوله تعالى: {وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ}[٧] فإنه يدل(١) على أمور:
  منها: انقسام المعاصي إلى هذه الأقسام الثلاثة، وأن كل قسم منها يتميز عن صاحبه، فلا يكون داخلا في جملته، فقد تكون المعصية من باب الفسق خارجة من باب الكفر، وقد تكون معصية صغيرة خارجة عن البابين جميعا. وهذا يبطل قول من يقول إنه ليس في المعاصي صغائر، وقول من لا يثبت الفاسق بالإطلاق إلا الكافر.
  ومنها: أنه يدل أنه يحب من جميع المكلفين الإيمان، ويكره منهم ضده من الوجوه الثلاثة، لأنه لم يخص في الخطاب مكلفا من مكلف، ولا يجوز أن يكون محببا إليهم إلا ما يريده منهم، ولا يجوز أن يكره إليهم إلا ما يكرهه، والمحبة المذكورة لا يجوز أن تكون الشهوة، لأن المؤمن لا يشتهى ما يفعله من الإيمان لكونه شاقا عليه، وإنما يشتهى المرء ما يتلذذ به ويسر.
  فإذا صح ذلك، وجب أن يكون المراد به الإرادة، وقد علمنا أن الإرادة تقع من المؤمن على طريق الاختيار لا على طريق الاضطرار. فالمراد إذن بالكلام أنه فعل ما عنده أحب المؤمن الإيمان؛ من الأمر والوعيد والترغيب.
(١) في الأصل: فإنها تدل. ولا وجه للحديث عن «الآية».