ومن سورة الحجرات
  وأما قوله تعالى: {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، فمحمول على ظاهره، لأن خبره عن الإيمان ووعده عليه الثواب، يوصف في الحقيقة بأنه يزين الإيمان.
  وفعل تعالى من النهى والوعيد والتخويف ما بعث به المكلف على كراهة الكفر والفسق، ولذلك صح أن يضيفه إلى نفسه، وإن لم يفعل نفس الكراهة فيه.
  ٧١٣ - وقوله تعالى: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ}[٩] فإنه لا يدل على أن الباغية منهما مؤمنة في تلك الحال؛ على ما تقوله المرجئة، وذلك لأنه وصفها بالإيمان ولما وقع البغى والقتال، وهذا كقولنا: إن المؤمن إذا ارتد وجب قتله، ولا يوجب ذلك كونه مرتدا في حال إيمانه!
  والآية دالة على ما نقوله من أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجب(١) لأنه تعالى أوجب الإصلاح بينهما، لأن حالهما لا يخلو من وجهين: إما أن يكونا مبطلين. أو أحدهما محق والآخر مبطل، لأنه لا يصح كونهما محقين جميعا والحال هذه، ولا بد من أن يكون القتال الواقع منهما قبيحا، فأوجب اللّه - تعالى - الإصلاح بالقول وما يجرى مجراه، ثم بين أن ذلك إذا لم يصادف القبول وبغت
(١) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هو الأصل الخامس من أصول المعتزلة، وهو موضع اتفاق الأمة الإسلامية (إلا ما يحكى عن شرذمة من الإمامية لا يقع بهم وبكلامهم اعتداد) كما يقول القاضي. والغرض به ألا يضيع المعروف ولا يقع المنكر - ولذا يمكن عده من الأصول العملية - فمتى حصل هذا الغرض بالأمر السهل لا يجوز العدول عنه إلى الامر الصعب.
كما تشير إلى ذلك الآية، وكما تقرر في العقول.
انظر شرح الأصول الخمسة للقاضي، بتحقيق الأستاذ الدكتور عبد الكريم عثمان، ص:
١٤١ - ١٤٨ وص: ٧٤١ فما بعدها.