متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الذاريات

صفحة 629 - الجزء 2

  [٥٦] فبين في الدلالة على أنه خلق جميعهم للعبادة، وأنه أراد منهم ذلك إذا بلغهم حد التكليف، فأما المجنون ومن لم يبلغ هذا الحد، فلا يجوز دخوله في الكلام؛ لأنه يتضمن أنه أراد العبادة ممن تصح منه.

  ولا يمكن حمله على أن المراد الانقياد بما يريده من الخضوع والخشوع، على ما زعمه بعض من يقول في المعارف إنها ضرورية، وذلك أن ظاهر العبادة هو ما يختاره العبد من الفرائض التي يقوم بها، ومن النوافل، دون ما ذكروه، وإن كنا نخالف القوم فيما قالوه، ونقول في المعارف: إنها اكتساب إذا كانت معارفا باللّه تعالى، وبالرسول، صلى اللّه عليه، وبالشرائع⁣(⁣١).

  ولا يجوز أن تحمل الآية على أن المراد بها من العموم أنه يعبد، لأن ذلك تخصيص من غيره دلالة، فإن قال: يدل على ذلك قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ}⁣(⁣٢)، قيل له: لا بد في هذه الآية من حذف مقدر، فإما أن تقدر فيه: ولقد ذرأنا للكفر الذي يؤديهم إلى جهنم، أو لكي يدخلوا جهنم، لأنه لا يجوز أن يكون خلقهم تعالى لجهنم، التي هي للأجسام المخصوصة، فإذا وجب ذلك، حصلت الآية داخلة في المجاز، فوجب حملها على مطابقة ما قدمناه، وذلك يقتضى أن يكون المراد باللام الداخلة فيها العاقبة، على ما قدمناه من قبل.

  ٧٢٦ - وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}⁣[٥٨] فلا يدل على إثبات القوة بما يصير قويا قادرا، على ما يقوله أصحاب الصفات⁣(⁣٣)،


(١) انظر ص ٥٢ فما بعدها من شرح الأصول الخمسة، للقاضي.

(٢) الآية: ١٧٩ من سورة الأعراف، وانظر الفقرة: ٢٦٩.

(٣) انظر ص: ١٨٥ فما بعدها من شرح الأصول الخمسة.