متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النجم

صفحة 632 - الجزء 2

ومن سورة النجم

  ٧٣٠ - وقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ١٣ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}⁣[١٣ - ١٤] ربما استدل [به] بعض الجهال في أنه تعالى يرى، وأن رسول اللّه، ، رآه مرة بعد مرة. وهذا باطل، لأن المراد بذلك جبريل، #، والكلام يدل عليه، لأنه قال من قبل: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ٥ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ٦ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ٨}⁣[٥ - ٨] وهذا كله من صفات جبريل، #، ثم قال بعد ذلك: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}⁣[١١] فأثبته رائيا مرة، ثم قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}⁣[١٣] فأثبته له رائيا مرة أخرى، ورسول اللّه، صلى اللّه عليه، وإن رآه الكثير، فلم يره على صورته التي هو عليها إلا هاتين المرتين، ومتى قال القائل إن في جميع ذلك المراد هو اللّه، فقد علمنا أنه تعالى لا يوصف بالدنو والتدلّى، ولا يحد بقاب قوسين أو أدنى، لأن كل ذلك يستحيل فيه!

  وبعد، فلم صار بأن يحمله على أنه المراد بأولى مما ذكرناه، وليس في الكلام ما يوجب لما قاله مزية، بل الذي قلناه أولى. لأن الذي يتحمل الوحي إليه، صلى اللّه عليه، هو جبريل، وذكره قد تقدم، فرجوع الكلام إليه أولى، وإن كان لو تقدم ذكرهما، لوجب ما قلناه؛ لأن الوصف المذكور يليق بجبريل دونه تعالى، ولأن العقل قد دل على استحالة الحركات عليه، والمجيء والذهاب.

  ٧٣١ - وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ}⁣[٣٢] فإنه يدل على أن الإلمام بصغائر المعاصي يغفر باجتناب الكبائر، ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}⁣(⁣١).


(١) الآية: ٤١ من سورة النساء.