مقدمة المؤلف
  قيل له: لأنه إنما يدل بأن يصدر من حكيم لا يجوز أن يختار الكذب والأمر بالقبيح، ومتى لم يكن فاعله بهذه الصفة لم يعلم وجه دلالته، فيجب أن يعلم أولا أنه ø حكيم لا يختار القبيح، حتى يصح أن يستدل بالقرآن على ما يدل عليه، وذلك يمنع من أن يستدل به على إثباته تعالى وإثبات حكمته.
  وبعد، فليس يخلو من خالف في ذلك من أن يقول: أخبار القرآن تدل، مع التوقف في لونها من قبيل الصدق، أو يقول: إنها لا تدل إلا وقد علم أنها صدق.
  ولا شبهة في فساد الأول، لأن كل خبر كونه كذبا غير دال على حال مخبره، وإذا صح ذلك فلا بد من أن يعلم [كونه] صدقا، ولا يخلق العلم بذلك دون(١) أن يرجع فيه إلى نفس الخبر، أو إلى خبر سواه، أو إلى دليل العقل.
  ولا يصح أن يعلم أن الخبر صدق بنفسه، لأنه إنما يدل على حال غيره لا على حال نفسه.
  وإن علم أنه صدق بخبر آخر لم يخل من أن يكون واردا عن اللّه ø أو عن غيره، ولا يجوز أن يرجع إلى خبر غيره. وخبره ø إذا رجع إليه ولمّا علم حاله في الحكمة فكأنه استدل على أنه صادق في سائر أخباره، ومتى جوّز في سائر أخباره الكذب يجوز في هذا الخبر مثله، فلا يصح النقد به.
  ولذلك قلنا: إن المجبّرة إذ(٢) جوزت عليه ø أن يفعل القبيح لا يمكنها المعرفة بصدقه ø، لا من جهة العقل، ولا من جهة السمع!
(١) في الأصل: من.
(٢) في الأصل: إذا.