متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الرحمن

صفحة 638 - الجزء 2

  الطريق. ومتى كان الكلام فيما لا بعض له، فلا شك أن المراد به ذاته، فيختلف موقع هذه اللفظة بحسب حال ما يستعمل فيه، فإذا صح ذلك وجب أن يكون المراد بذلك: ويبقى ربك.

  ٧٤١ - وأما تعلق المشبهة بقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}⁣[٢٩] وبقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ}⁣[٣١] في أن الفراغ والشغل لا يجوز ان إلا على الأجسام، وهي التي يجوز عليها الشأن، إذا هي اشتغلت بالفعل، فلو لا أنه تعالى جسم، لما صح ذلك عليه؛ فبعيد، وذلك أن ظاهر الشأن لا يقتضى ما قالوه، لأنه الأمر الذي يفعله القادر ويؤثره على غيره، فلا يمتنع أن يوصف تعالى بذلك، وإن كان ممن لا يشتغل بفعل عن فعل - فلذلك ذكر تعالى أنه لا يشغله شأن عن شأن - فيراد به هذا المعنى.

  فأما الفراغ، فإنه لا يجوز إلا على من يجوز عليه الشغل، ومتى حمل الكلام على حقيقته، لزمهم القول: بأنه تعالى يفعل الأفعال في نفسه، فيشتغل بها، ويمنعه ذلك من غيره من الأفعال، وذلك مما لا يرتكبه مسلم؛ لأنهم يقولون بأنه يفعل في غيره، وأنه لا يشتغل بفعل عن فعل. فالمراد بالآية التهديد دون وصف نفسه بالفراغ؛ لأن هذه اللفظة قد جرت العادة فيها بمثله، لأن القائل منا قد يقول لغيره: سأفرغ لك؛ إذا أراد أن يهدده ويبكته في أمر يفعله. ولولا أن المراد بذلك، لوجب أن يكون تعالى في حال هذا الخطاب كان مشغولا عن هذا الأمر، الذي ذكر أنه يفرغ له، وكان لا يمكنه أن يفعله في الحال. وذلك مما لا يرتكبه أحد!

  ٧٤٢ - وأما قوله تعالى: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ}⁣[٤٦] فلا يدل على أنه - تعالى - في مكان، وهو قائم فيه حتى صار مقاما له، وذلك أنه تعالى وعد من يخاف ورغبه، وقد علمنا أن الخوف لا يجوز أن يكون من مكانه