ومن سورة الحديد
  له، ولا هو ممن يفعل به، فكان لا وجه له البتة. وإذا حملناه على ما قلناه، يصح؛ لأنه يكون باعثا لهم على الإيمان وداعيا لهم.
  ٧٥١ - وقوله: {وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها}[٢٧] فغير دال على قول المجبرة في أن أفعال القلب من قبله تعالى، وذلك أن ظاهره يقتضى أنه جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة، وكذلك نقول؛ لأن رأفة القلب ورقته هما من فعله تعالى، وإن كان المراد بها النعمة، فمتى قرنت بالقلب، فالمراد بها ما ذكرناه، واللّه تعالى هو الذي يخلق القلوب مختلفة: ففيها ما يختص بالقسوة، وفيها ما يختص بالرحمة والرأفة.
  وأما الرهبانية فلم يذكر تعالى أنه جعلها، وإنما ذكرها، ثم خبر أنهم ابتدعوها، وبين أنه تعالى ما كتبها عليهم، وما ألزمهم إياها إلا ابتغاء مرضاته، وأنهم ما رعوها حق رعايتها، فخرجوا عنها إلى المعاصي، ولم يتمسكوا بها، ولم يدوموا عليها.
  ٧٥٢ - وقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[٢٩] وتعلقهم بذلك في أن العبد لا يقدر على فعله؛ لأن الفضل من فعله، فبعيد، وذلك أن ظاهره إن دل، فإنما يدل على أن العبد لا يقدر أصلا، على ما يقوله جهم(١) والقوم وإن جعلوا فعله خلقا للّه، تعالى
(١) هو الجهم بن صفوان، مولى بنى راسب من الأزد، نشأ بسمرقند، وانتقل إلى الكوفة وأخذ فيها عن الجعد بن درهم منهجه في التأويل، ثم انتقل إلى بلخ، ولقى فيها مقاتل بن سليمان (- ١٥٠) المفسّر، وحمله ما وجده عنده من القول بالتشبيه على القول بنفي الصفات، فنفى إلى ترمذ، ثم دعاه الحارث بن سريج إلى قتال بنى أمية ففعل، فقتلهما الأمويون شر قتلة وهم يزعمون أن جهما دهري! وكان مقتله | عام (١٢٨) هـ. وإليه تنسب فرقة الجهمية، كما نسبت إليه المعتزلة منذ عهد المأمون. ومما اشتهر عنه القول بالجبر المحض! =