ومن سورة الطلاق
ومن سورة الطلاق
  ٧٧٨ - وأما تعلقهم بقوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً}(١) في أن الرجعة يجب أن تكون حادثا من فعله تعالى، فغلط، وذلك أنه تعالى لم يذكر ما ذلك الأمر الذي يحدثه، فمن أين أن المراد به الرجعة دون أن يكون الشهوة والرغبة لمراجعتها، وذلك من فعله، والظاهر لا يليق إلا بهذا الوجه، وذلك أنه تعالى منع المطلّق من أن يبتّ الطلاق، لكي يتمكن من التلافي إذا وجد في قلبه الشهوة والرغبة.
  ٧٧٩ - وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[٣] لا يدل على أن تصرفه من قبله، بل يدل على أنه الذي يحدثه، ليصح أن يكون متوكلا.
  وقد بينا حقيقة التوكل، وأنه يقتضى كون المتوكل متخيرا فيما يفعل، مؤثرا لفعل على فعل(٢).
  ٧٨٠ - وقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[٣] غير دال على أن الأشياء حادثة من قبله تعالى، وذلك أن جعله لها قدرا، لا ينبئ عن أن ذاتها موجودة من جهته؛ لأن المقدّر والمدبّر قد يريد فعل غيره، وفعل نفسه، ويقدرهما.
  فالتعلق بظاهره لا يصح.
  ولا يمتنع من أنه تعالى قد قدر أفعال العباد، وجعل لها مقادير بالحبر والكتابة.
(١) قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً} الآية: ١.
(٢) انظر الفقرة: ٣٤٥.