ومن سورة التحريم
ومن سورة التحريم
  ٧٨٢ - قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً}[٦] يدل على أن العبد قادر على فعله، وأنه الذي يحدثه، ليصح منه أن يتقى النار بما يختاره، وأن يقى أهله ذلك بما يدعوهم إليه. وهذا لا يصح مع القول بأنه تعالى يخلق فيه الفعل على وجه لا يمكنه خلافه.
  ٧٨٣ - وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[٧] فمن قوى ما يدل على أنه تعالى لا يخلق أفعال العباد، لأنه لا يخلو قوله: {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} من أن يريد به منعهم من الاعتذار ولهم عذر، أو أن يريد بذلك أن لا عذر لهم، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يكون المراد الأول، لأنه كان يجب أن يكون لهم عذر في الحقيقة، وقد منعهم من ذكره، وهذا لا يجوز عند أحد، خصوصا في الآخرة.
  وقوله تعالى: {إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يدل على بطلان ذلك أيضا، لأنه لو كان لهم عذر في الحقيقة، لكانوا قد جوزوا بما لم يفعلوا، وعلى وجه يقبّح العذر الذي معهم، فإذن صح بأنه لا بد من القول بأنه لا عذر لهم. ولو كان الأمر كما تقوله المجبرة، لوجب أن يكون لهم عذر، بل أعذار كثيرة، كل واحد منها يقوم بنفسه في ظهور عذرهم، وفي سقوط العقاب عنهم. وذلك أن لهم أن يقولوا: إنما أتينا في كفرنا من قبلك، وفي أن لم نفعل الإيمان من جهتك، لأنك سلبتنا القدرة عليه، وأعطيتنا قدرة الكفر، وجعلتها موجبة للكفر، وخلقت مع ذلك الكفر فينا وإرادته فيما لم تزل، فلم يمكن مفارقته، وخلقت فينا قدرة الإرادة له، ونفس الإرادة والاختيار. وكل واحد من ذلك لو حصل بانفراده