[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ذلك أدعى له إلى النظر، من خطاب الداعي الذي لا يعتقد تعظيم حاله، ولهذه الجملة عوّل الأنبياء $، عند مسألة قومهم لهم عن اللّه ø، على ذكر أفعاله تعالى من خلق السماوات والأرضين وغير ذلك.
  فإن قيل: فيجب أن لا يعلم بالقرآن الحلال والحرام إلا على هذا الوجه!
  قيل له: كذلك نقول؛ لأنه ما لم يعلم أن المخاطب بالقرآن حكيم لا يجوز أن يكذب في أخباره أو يعمّى أو يأمر بالقبيح أو ينهى عن الحسن، لم يصح أن يعرف به الحلال والحرام، لكن الأحكام يمكن أن تعلم بالقرآن من غير مقدمة، إذا كانت المعرفة باللّه ø قد تقدمت، ولا يصح أن يعلم بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(١)، من غير تقدم العلم بأنه تعالى ليس بجسم، أنه تعالى لا يشبه الأشياء، لما قدمنا من أنه لا يصح أن يعرف الفاعل وحكمته بالفعل الذي يصدر عنه، إذا كان العلم بصحته ووجه دلالته لا بد من أن يرجع فيه إلى حال الفاعل.
  وعلى هذا الوجه قلنا: إن المعجزات لما كانت بمنزله الأخبار في أنها لا يمكن أن يعلم أنها صحيحة إلا بعد العلم بحال الفاعل وحكمته؛ لم يمكن أن يستدل بها على النبوات من أجاز(٢) على اللّه ø فعل القبيح، وقلنا يجب أن لا نأمن أنه تعالى أظهرها على [من] يدعو إلى الضلال والفساد، ويصد عن الهدى والرشاد!
  ٢ - مسألة: إن سأل سائل فقال: أتقولون إن المحكم من القرآن له مزية على المتشابه فيما يدل عليه أو لا مزية له؟
  فإن قلتم: إنهما سواء فذلك خلاف الإجماع؛ لأن الأمة تقول إن المحكم أصل للمتشابه وإن له من الحظ ما ليس للمتشابه، وكتاب اللّه ø قد نطق
(١) من الآية ١١ سورة الشورى.
(٢) في الأصل: اختار.