ومن سورة المزمل

  ٨٠٦ - قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً}⁣[١٧] لا يدل على أن في ذلك اليوم يخاف الولدان ويعذّبون.

  وذلك أن هذه الطريقة تذكر لعظم حال يوم القيامة، وعلى هذا الوجه يقال في الأمر الهائل العظيم: تشيب منه النواصي، وتشيب الولدان. وهذا كقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ}⁣^(⁣١)، وكقوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}⁣^(⁣٢) في أن المقصد بجميعه الإنباء عن عظيم ما يرد ذلك اليوم على أهل المعاصي، دون تحقيق ذلك على جهة الخبر؛ يبين ذلك أنه تعالى جعل هذا الذكر باعثا للعباد على ترك الكفر، والتقوى. ولو كان ذلك اليوم بهذه الصفة، لكان بأن يزهد في الإيمان والتقوى أقرب، لأن المكلف إذا تصور أن ذلك اليوم يعذب من لا ذنب له، زهد في طاعته، ويجوز أن تكون من أسباب هلاكه، يبين ذلك أنه تعالى أضاف ذلك إلى اليوم، وقد علمنا أن اليوم لا يجعل ولا يفعل، وأن الفاعل سواه.

  وكل ذلك يبين أن الظاهر يقتضى ما قلناه.

  ٨٠٧ - فأما قوله تعالى قبل ذلك: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (٥) فإنه لا يدل على أن قول الإنسان من فعله تعالى، لأن المقصد بهذا الكلام: أنا ننزل عليك القرآن الذي يثقل تحمله، وتكفل أداءه إلى من يلزم الأداء إليه. ووصفه بالثقيل لهذه العلة، وجعل الإنزال إليه، ويحمله الفاعل، على طريقة اللغة في مثله.

(١) الآية ٤٢ من سورة القلم.

(٢) الآية ٢٩ من سورة القيامة.