متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة المدثر

صفحة 672 - الجزء 2

  اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا ٢٩ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}⁣[٢٩ - ٣٠] فبين أنه لا يشاء اتخاذ السبيل، وسلوك طريق الحق، إلا أن يشاء اللّه ذلك بالتكليف، والأمر والنهى، وإبلاغهم حد التكليف، على ما بيناه. وقال تعالى بعد ذلك في {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}⁣(⁣١): {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ٢٧ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣(⁣٢) يعنى: ما تقدم ذكره من الاستقامة، على الوجه الذي بينا.

  وما لم يحمل الكلام في هذه الآيات على ما قلناه، لم يصح أن يتعلق به المخالف، لأنه يوجب أنه تعالى يوجب أنه يشاء، بعد ما لم يكن شائيا له، على ما يقتضيه ظاهره، وليس ذلك طريقة القوم.

  وقوله تعالى: {وَما تَشاؤُنَ} لا بد من أن يكون متعلقا بما تقدم، على ما تقتضيه اللغة. فكأنه قال: وما تشاءون من استقامة الطريق إلا أن يشاء اللّه تعالى، فلا يخلو المراد به من أن يكون مشيئة مستقبلة، أو المشيئة التي ذكرناها.

  وقد علمنا أن في المستقبل لا يجب أن يشاء تعالى ما قد تقدم فعله، أو وفيه من أفعال المكلف. فلا بد من أن يحمل الكلام على ما ذكرناه.

  * * *


(١) السورة ٨١، وتعرف بسورة التكوير، وقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، الآية الأولى.

(٢) الآيات: [٣٧ - ٣٩].