[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  بذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ}(١).
  وإن قلتم: إنه يدل على وجه لا يدل عليه المتشابه، نقضتم الأصل الذي قدمتم الآن. لأنكم ذكرتم أن جميع كلامه تعالى سواء في أنه إنما يدل، بعد أن يعرف ø أنه حكيم، وإذا كان الأمر كذلك فما الفائدة في الفصل بين المحكم والمتشابه؟ وهلا دلّكم ذلك على فساد هذا الأصل!
  قيل له: إن الذي تقوله في هذا الباب لا ينقض ما ذكرناه من الأصل، ولا يخرج عن الإجماع والكتاب، وذلك أن المحكم كالمتشابه من وجه، وهو يخالفه من وجه آخر:
  فأما الوجه الذي يتفقان فيه فما قدمنا من أن الاستدلال بهما أجمع لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الفاعل وأنه لا يجوز أن يختار القبيح، لأن الوجه الذي له قلنا ذلك، لا يميز المحكم من المتشابه، كما أن خطابه ﷺ لما لم يمكن أن تعلم صحته إلا بالمعجز ولم يميز ذلك بين المحتمل من كلامه وبين المحكم منه، حلّا محلا واحدا في هذا الباب.
  وأما الوجه الذي يختلفان(٢) فيه، فهو أن المحكم إذا كان في موضوع اللغة أو لمضامّة القرينة، لا يحتمل إلا الوجه الواحد، فمتى سمعه من عرف طريقة الخطاب وعلم القرائن أمكنه أن يستدل في الحال على ما يدل عليه. وليس
(١) من الآية: ٧ سورة آل عمران. وتتمتها «... وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون متشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب».
(٢) في الأصل: مختلف، ولعن المراد - لو صحت - الوجه الذي يختلف فيه كل منهما عن الآخر.