متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة القيامة

صفحة 674 - الجزء 2

  تعالى لما خلق النظر بنفسه، وعلمنا أن ذلك لا يصح فيه؛ وجب أن يكون المراد به الثواب؛ لأن الحكم الذي يقتضيه الاسم إذا لم يصح فيما علق به، وجب أن يكون المراد غيره، كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، إلى غير ذلك من وجوه المجاز.

  والثاني: أنه تعالى وصف الوجوه بأنها ناظرة، وقد علمنا أن هذه اللفظة تفيد الجملة؛ لأن الناظر هو الإنسان دون بعضه، كما أنه العالم والقادر والفاعل، فإذا صح وكان الإنسان يوصف بأنه ناظر على وجه فيراد به الانتظار، وقد يراد به تقليب الحدقة طلبا للرؤية، وقد يراد به التفكر بالقلب طلبا للمعرفة، فليس في الظاهر - إذن - دلالة على ما قاله القوم، وهو محتمل له ولغيره.

  والثالث: أنه تعالى أراد بذكر الوجوه جملة الإنسان، لا البعض المخصوص ولذلك وصف الوجوه بأنها ناظرة، وذلك يليق بها دون الأبعاض، ولذلك قال من بعد: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ٢٤ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها}⁣[٢٤ - ٢٥] فوصفها بالظن الذي لا يليق بالوجه. فإذا صح ذلك وجب كون الكلام مجملا، لأن الجملة إذا وصفت بأنها ناظرة، لم يفهم أن المراد بها الرؤية. وما يذكرون من قولهم: إن النظر إذا علق بالوجه فالمراد به الرؤية، لا يصح، [لأن] تعليق النظر بالوجه غير معروف في اللغة. والذي يعرف تعليقه بالعين هو الرؤية، فأما تعليقه بالوجه، فهو كتعليقه بالرأس، في أنه غير معروف أصلا! لأن هذا القول إنما كان يتم لو كان المراد بالوجه العضو المخصوص، وقد بينا أن الأمر بخلافه، ففارق ذلك ما استدللنا به من قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}⁣(⁣١) في نفى الرؤية، لأن الإدراك المطلق متى قرن بالبصر، لا يعرف في اللغة أن يراد به إلا الرؤية بالبصر. وهذا بين.


(١) الآية ١٠٣ من سورة الأنعام. وانظر الفقرة ٢٢١.